معرفة ان كان الشخص يكذب مهمة صعبة حتى على الذين يعملون في مجال اكتشاف الكذب بالطرق العلمية. ربما يكون قد خدع الكثير منا من قبل أناس كذبوا علينا دون أن تبدو عليهم أية علامات تدل على أن مايقوله الكاذب غير صحيح مثل التحكم بتعابير الوجه ولغة الجسد. ولكن هل من الممكن أن نطور قدرتنا على تحديد الكذب؟ الجواب هو نعم طبقا لدراسة نشرتها مجلة " نيو ساينتيست" الأمريكية. الكذب متشابه في كل أنحاء العالم: أورت المجلة نماذج من دراسات من خمسين دولة كلها أشارت الى أن الناس يصدقون الكذابين بنفس الطريقة. فبعكس مايقال بأن الكاذب لايستطيع النظر في عين الآخرين عندما ينطقون بأكاذيبهم فان هناك من الكذابين من يستطيع النظر الى عيون من يكذبون عليهم بشكل يفوق الناس الذين ينطقون بالصدق. ومن النقاط الأخرى التي وردت في هذه الدراسات هو أن الكاذب نفسه لايثق بأحد ولكنه يتظاهر بأنه يثق كل الثقة بالآخرين وهذا هو مايعقد مهمة اكتشاف الكذب عندهم. وقالت المجلة ان الكذابين يتشابهون في كل أنحاء العالم وأن الكذب أيضا متشابه في كل أرجاء المعمورة. وأضافت بأن مهمة اكتشاف الكذب ليست بالسهلة وبخاصة اذا كان الكاذب ماهرا. فالناس الذين يعتبرون صادقين يظنون بأنهم يستطيعون تحديد الكذب ولكن العكس هو صحيح في حقيقة الأمر. ففي أحيان كثيرة لانستطيع ملاحظة الكذبة ربما لعدم اهميتها، مثل اخفاء العمر الحقيقي عن الآخرين أو اخفاء الوزن الحقيقي، لأنه في الحالتين فان العلامات التي تدل على الكذب ليست واضحة تماما. لماذا نعتبر قابلين للاختراق من قبل الكذابين: كان هذا السؤال ومازال موضوعا ساخنا للعديد من الدراسات العالمية ولكن العلماء حاولوا شرح ذلك بالقول ان عدم ظهور علامات واضحة على كثير من الكذابين يعتبر أحد الأسباب التي تجعلنا قابلين للاختراق من قبلهم، أما السبب الآخر هو تركيزنا على الاستماع للغة التي ينطق بها الكذاب أكثر من تركيزنا على العلامات. ولذلك اذا كان الشخص قادرا على مراقبة اللغة والعلامات المرافقة لها فمن الممكن تطوير حالة الشك في ما يقوله الكاذب وبالتالي اكتشاف بعض الجوانب التي ربما لايلاحظها من يركز على الناحية اللغوية فقط. وأضافت المجلة في الدراسة التي أوردها موقع "تيرا" البرازيلي على الانترنت بأن الانتباه للتناقضات في حديث الكاذب يعتبر أيضا وسيلة تساعد على اكتشاف الكذب من قبل الآخرين. فعند نقطة من النقاط لابد وأن تظهر بعض التناقضات في حديث الكاذب لكن الناس، وبخاصة الصادقين جدا، تفوتهم التناقضات أيضا ولذلك فان غالبية ضحايا الكاذبين هم أناس يتميزون بالصدق والثقة بالآخرين الى حدود تفوق المعتاد. لعبة القط والفأر: قالت الدراسة بأن تحديد الكذب واكتشافه يشبه الى حد كبير لعبة القط والفأر. فالكاذب يحاول البحث عن سبل تمكنه من تقوية ثقة الناس به وهو يعمل على تطوير هذه الناحية باستمرار ذلك لأن الكذب يتطلب بذل جهود أكبر من قول الحقيقة. وكلما كسب هذه الثقة فان قدرته على الانقضاض على الآخرين تصبح أقوى. وأضافت الدراسة بأن الطريقة الأكثر فاعلية لاكتشاف الكذب هو التركيز على التفاصيل أيضا لأن الخطأ الأكبر الذي يرتكبه الكذاب هو عندما يدخل في تفاصيل مايقوله. ويمكن تطبيق هذه الطريقة عن طريق سؤال الكاذب اعادة سرد تفاصيل حدث ما رواه مرة أخرى. وهنا يمكن أن يقع الكاذب في الفخ كالفأر لأنه مهما كان بارعا فانه وبعد رواية حديث لاأساس لهم من الصحة فانه لن يستطيع أن يتذكر نفس الكلمات التي أوردها في التفاصيل وربما تكون كلمة واحدة تدل على التناقض كافية لاكتشاف بأن مايقوله الكاذب ليس صحيحا. الكذب المزمن: أوضحت الدراسة بأن أكثر السبل سهولة لاكتشاف الكذب هو عندما يتحول الكذب الى كذب مزمن يظهر في حالات كثيرة، كشخص يطلق الوعود ذاتها ولايفي بها أو شخص يتظاهر بالنفوذ وقدرته على مساعدة الآخرين ولكنه في الحقيقة مجرد شخص عادي لاحول له ولاقوة. مثل هؤلاء هم أناس يفضحون أنفسهم بأنفسهم ولذلك فهم ليسوا كذابين محترفين، بل أن الكذب بالنسبة لهم هي هواية يحاولون من خلالها تغطية نقاط ضعف في شخصياتهم. وقالت الدراسة ان الحالة المعقدة هي اكتشاف كذب الكذابين المحترفين الذين لايعيدون كذبة مرتين بل يتواصلون مع الناس بسلسلة من الأكاذيب المختلفة عن مواضيع مختلفة. ولذلك بذلت الجهود لاختراع أجهزة متطورة جدا في مجال اكتشاف الكذب. أجهزة اكتشاف الكذب ليست دقيقة دائما: تم اختراع أجهزة الكشف عن الكذب في القرن الماضي وهي عبارة عن مجموعة من المؤشرات تسجل ردود فعل فيزيولوجية لمن يخضع لها. ولكن تبين بأن هناك نوعين من الكذابين، نوع يستطيع التحكم بحالته الفيزيولوجية كبرودة الأعصاب والقدرة على التحكم بالتفاعلات العاطفية التي تسبب ظهور علامات فيزيولوجية على الشخص. ولذلك فان دولا كثيرة أوقفت العمل بهذه الأجهزة ولجأت الى أساليب أخرى لكشف الكذب. وقالت الدراسة ان المحققين الذي يستجوبون متهمين بارتكاب جرائم معينة يطلبون من المتهم مواصة النظر في عين المحقق وعدم النظر الى أي مكان آخر أثناء التحقيق ولذلك توصل بعض العلماء الى نتيجة مفادها بأن العين تعتبر المرآة التي تعكس الكذب أو الصدق. ومن الجوانب السلبية الأخرى لأجهزة الكشف عن الكذب هو عدم التفريق بين الناس الخجولين وغير الخجولين والناس العاطفيين وغير العاطفيين. فالخجول يصبح أكثر عصبية عند خضوعه لامتحان جهاز الكشف عن الكذب. وربما يعطي الجهاز اشارات الى توتر الشخص وظهوره بمظهر الكاذب بالرغم من قوله الحقيقة. وينطبق هذا الأمر أيضا على الناس العاطفيين الذين يتأثرون بسرعة بالعوامل الخارجية.