أن الحد الذي يمنع من التبرج هو غض المرأة بصرها ، وعدم الاختلاط الفاحش بالرجال ، وأن تكون ملابسها موافقة للشرع والذي يخرج المرأة المسلمة عن حد التبرج ويسمها بأدب الإسلام أن تلتزم الآداب التالية: (أ) غض البصر: فإن أثمن زينة للمرأة هو الحياء، وأبرز عنوان للحياء هو غض البصر قال تعالى: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن). (ب) عدم الاختلاط بالرجال اختلاط تلاصق وتماس، كما يحدث ذلك في دور السينما ومدرجات الجامعات وقاعات المحاضرات ومركبات النقل ونحوها في هذا الزمان. وقد روى معقل بن يسار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد، خير له من أن يمس امرأة لا تحل له". المخيط: ما يخاط به كالإبرة والمسلة ونحوهما. (ج) أن تكون ملابسها موافقة لأدب الشرع الإسلامي. واللباس الشرعي هو الذي يجمع الأوصاف التالية: أن يغطي جميع الجسم. عدا ما استثناه القرآن في (ما ظهر منها) وأرجح الأقوال أنه الوجه والكفان. ألا يشف ويصف ما تحته. فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: "أن من أهل النار نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات … لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها" ومعنى كاسيات عاريات: أن ثيابهن لا تؤدي وظيفة الستر فتصف ما تحتها لرقتها وشفافيتها. دخلت نسوة من بني تميم على عائشة -رضي الله عنها- وعليهن ثياب رقاق، فقالت عائشة: "إن كنتن مؤمنات فليس هذا بثياب المؤمنات". وأدخلت عليها امرأة عروس عليها خمار رقيق شفاف فقالت: لم تؤمن بسورة (النور) امرأة تلبس هذا. ألا يحدد أجزاء الجسم، ويبرز مفاتنه، وإن لم يكن رقيقا شفافا، كتلك الثياب التي رمتنا بها حضارة الجسد والشهوة -أعني الحضارة الغربية- التي يتسابق مصممو الأزياء فيها في تفصيل الثياب التي تبرز النهود والخصور والأرداف ونحوها، بصورة تهيج الغرائز وتثير الشهوات الدنيا، فلابساتها كاسيات عاريات أيضا، وهي أشد إغراء وفتنة من الثياب الرقيقة الشفافة. ألا يكون مما يختص بلبسه الرجال كالبنطلون في عصرنا، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المتشبهات من النساء بالرجال، كما لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، ونهى المرأة أن تلبس لبسة الرجل، والرجل أن يلبس لبسة المرأة. ألا يكون لباسا اختص بلبسه الكافرات من اليهوديات والنصرانيات والوثنيات، فإن قصد التشبه بهؤلاء محظور في الإسلام الذي يريد لرجاله ونسائه التميز والاستقلال في المظهر والمخبر، ولهذا أمر بمخالفة الكفار في أمور كثيرة. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم". (د) أن تلتزم الوقار والاستقامة في مشيتها وفي حديثها وتتجنب الإثارة في سائر حركات جسمها ووجهها؛ فإن التكسر والميوعة من شأن الفاجرات لا من خلق المسلمات. قال تعالى: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) سورة الأحزاب:32. (هـ) ألا تتعمد جذب انتباه الرجال إلى ما خفي من زينتها بالعطور أو الرنين أو نحو ذلك. قال تعالى: (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن فقد كانت المرأة في الجاهلية حين تمر بالناس تضرب برجلها، ليسمع قعقعة خلخالها فنهى القرآن عن ذلك، لما فيه من إثارة لخيال الرجال ذوي النزعات الشهوانية، ولدلالته على نية سيئة لدى المرأة في لفت أنظار الرجال إليها زينتها. ومثل هذا في الحكم ما تستعمله من ألوان الطيب والعطور ذات الروائح الفائحة، لتستثير الغرائز، وتجذب إليها انتباه الرجال، وفي الحديث: "المرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا، يعني: زانية". ومن هنا نعلم أن الإسلام لم يفرض على المرأة -كما يقال- أن تظل حبيسة البيت، لا تخرج منه إلا إلى القبر، بل أباح لها الخروج للصلاة وطلب وقضاء الحاجات، وكل غرض ديني أو دنيوي مشروع. كما كان يفعل ذلك نساء الصحابة ومن بعدهم من خير القرون. وكان منهن من يخرج للمشاركة في القتال والغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعده من الخلفاء والقواد. وقد قال عليه الصلاة والسلام لزوجه سودة: "قد أذن الله لكن أن تخرجن لحوائجكن". وقال: "إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها". وفي حديث آخر: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله". وقد ذهب بعض العلماء المتشددين إلى أن المرأة يحرم عليها أن تنظر إلى أي جزء من الرجل، مستدلين بما رواه الترمذي عن نبهان مولى أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها ولميمونة، وقد دخل عليهما ابن أم مكتوم: "احتجبا" فقالتا: إنه أعمى. قال: "أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟" ولكن المحققين قالوا: إن هذا الحديث غير صحيح عند أهل النقل؛ لأن راويه عن أم سلمة نبهان مولاها وهو ممن لا يحتج بحديثه. وعلى تقدير صحته فإن ذلك منه عليه السلام تغليظ على أزواجه لحرمتهن، كما غلظ عليهن أمر الحجاب؛ كما أشار إليه أبو داود وغيره من الأئمة .. ويبقى معنى الحديث الصحيح الثابت، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة بنت قيس أن تقضي عدتها في بيت أم شريك ثم استدرك فقال: "تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي عند ابن أم مكتوم، فإنه رجل إعمى، تضعين ثيابك ولا يراك