إن مجرد الخطبة لا يجعل المخطوبة زوجة للخاطب، بل تبقى أجنبية عنه على الرغم من رضاها بخطبته وعدم رفضها، وبالتالي تعامل معاملة الأجنبية. ومن ذلك يحرم عليه وعليها شرعاً الخلوة بينهما ولو بحجة أنه يريد أن يراها وتراه في هذه الخلوة قبل عقد النكاح، كما لا يجوز أن يصاحبها ويخرج معها إلى الأسواق بحجة أنها خطيبته ورضيت بخطبته، لأنها كما قلنا أجنبية، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم فيجوز أن يجلس معها بحضور أحد محارمها كأبيها وأخيها. فالخلوة من دون محرم لا تجوز سواء رضيت هي وأهلها بالخلوة معها أو لم يرضوا. • خلوة المخطوبة بخطيبها لا تجوز: يظهر جلياً مما ذكرنا أن ما اعتاد أكثر الناس أو بعضهم من موافقتهم على خلوة الخاطب بابنتهم المخطوبة، وكذلك موافقتهم على الخروج سوياً إلى الأسواق وغيرها بحجة أنهما خاطبان، فهذا الاعتياد باطل ولا قيمة له ولا يغير حكم الشرع في تحريم الخلوة بين الخاطبين لأنهما لا يزالان أجنبيين. • الخطبة وعد وليست عقداً: إن الخطبة هي وعد بالزواج وليست عقد زواج، ولذلك فلكل من الخاطب والمخطوبة العدول عن الخطبة وإن كان مقتضى الوفاء بالوعد يقضي بعدم العدول إلا لضرورة أو لسبب شرعي. • جواز العدول عن الخطبة: إن الرجوع عن الخطبة جائز سواء كان هذا الرجوع من الخاطب أو من المخطوبة أو من وليها، ولكن هذا الرجوع يكره إن لم يكن لغرض صحيح شرعي كما لو تبين للمخطوبة أو وليها في الخاطب ما يدعو إلى رد خطبته، أو رأى الخاطب في مخطوبته ما يدعو إلى الرجوع عن خطبته، على أن يكون ذلك الرجوع من الطرفين لسبب سائغ شرعاً. • التعويض عن الرجوع عن الخطبة: لم يذكر فقهاؤنا أن على الراجع عن الخطبة تعويض الطرف الآخر عن أي ضرر لحقه بسبب هذا الرجوع، ومعنى ذلك أنهم لا يرون ترتيب أي تعويض على الراجع عن الخطبة. ونتناول فيما يلي الإجابة على سؤال هل يجب التعويض على الراجع عن الخطبة إذا تضرر الطرف الآخر من الرجوع؟ أولاً: لا يصلح الرجوع عن الخطبة بذاته سبباً للتعويض، لأن الراجع عن الخطبة استعمل حقه، في الرجوع، وإن استعمل حقه، فلا شيء عليه، لأن الجواز الشرعي ينافي الضمان. ثانياً: إذا اقترن برجوع الراجع عن الخطبة أو سبق هذا الرجوع قول أو فعل صادر عنه يترتب عليه عقاب شرعي كما لو رمى الرجل الخاطب مخطوبته بالزنى لتبرير رجوعه عن الخطبة، ففي هذه الحالة تحق عليه المسؤولية الجنائية، ويجب عليه حد القذف إذا لم يستطع إثبات ما قذف به المخطوبة. ثالثاً: الإدعاء بالضرر الأدبي الذي يسببه الرجوع عن الخطبة وبالضرر المعنوي المتمثل بألم الطرف الآخر من هذا الرجوع لا تعويض عنه. رابعاً: ادعاء الضرر المادي بسبب الرجوع عن الخطبة كما لو قام الخاطب باستئجار دار هو غير محتاج إليها لولا عزمه الزواج، أو أن ينتقل من بلده الذي يعيش فيه ووظيفته فيه ليسكن في بلد مخطوبته بعد عقد النكاح، أو أن المخطوبة استقالت من وظيفتها لتلحق بالخاطب في بلده بعد إتمام عقد النكاح، فإن التعويض عن الرجوع في الخطبة يكون كالآتي: أ- الحالة الأولى: إذا كان المضرور هو الراجع عن الخطبة: إذا كان المضرور هو الراجع عن الخطبة وضرره بسبب رجوعه، فهو الذي يتحمل الضرر حتى ولو كان رجوعه بسبب مقبول لأنه هو الذي غر نفسه واستعجل في خطبتها قبل القدر الكافي من البحث والتحري، وكذلك الحال بالنسبة للمخطوبة إذا رجعت عن الخطبة هي أو وليها لأنهما المقصران في البحث والتحري عن الخاطب. ب- الحالة الثانية: إذا كان المضرور هو الطرف الآخر: في هذه الحالة لا يتحمل الراجع أي تعويض للطرف الآخر لأن الراجع قد استعمل أمراً جائزاً له وهو حق الرجوع عن الخطبة والجواز الشرعي ينافي الضمان.