الهنود الحمر في عزلتهم يرفضون الاستسلام
الناقل :
elmasry
| الكاتب الأصلى :
محمد علي صالح
| المصدر :
www.aawsat.com
لم يحتفلوا بـ«عيد الشكر» حزنا على هزيمتهم
واشنطن: محمد علي صالح
احتفل الهنود الحمر مؤخرا بدخول أولى شركاتهم رحاب «وول ستريت». غنى ورقص الهنود في نيويورك احتفالا بإنجازهم الكبير، ولفتوا نظر العالم إلى أن سكان القارة الأصليين لا يزالون هنا، وأنهم لم ولن يستسلموا. فكيف يعيش الهنود الحمر في أميركا اليوم، وما مدى تأثيرهم الثقافي، أو تأثرهم بالوافدين؟
احتفل الأميركيون مؤخرا، بعيد «ثانكسغيفينغ»، (عيد الشكر)، وتعطلت الوزارات والمصالح الحكومية والمؤسسات الخاصة والمدارس والجامعات، وكادت حركة السيارات تتوقف في الشوارع، وحتى أغلقت كثير من المطاعم.
كل سنة، تتجمع العائلات الأميركية، يوم رابع خميس من شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، بعد الظهر وقبل غروب الشمس، حول وجبة «تيركي» (ديك تركي، حبشي، رومي).
يتوسط الديك العملاق المائدة، بعد خمس أو ست ساعات في فرن منخفض الحرارة. وتحيط به صحون خبز «كورن»، (ذرة شامية)، و«بوتيتو» (بطاطس)، و«سويت بوتيتو»، (بطاطس حلوة)، و«بامكين»، (قرع عملاق). ورغم وجود صحون جانبية أخرى، فإن لهذه الأنواع من المأكولات أهمية خاصة، وذلك لأنها كانت مجهولة في العالم القديم، وكان الهنود الحمر وحدهم هم الذين يأكلونها، حتى اكتشف كولومبوس أميركا سنة 1495.
كما أن الديك نفسه لم يكن معروفا في بقية العالم. لكن، عندما تتجمع العائلات حول الديك في «عيد الشكر» في كل الولايات الأميركية، لا تفعل ذلك كثير من عائلات ما تبقى من الهنود الحمر التي تعيش الآن في أكثر من عشر مستوطنات موزعة على هذه الولايات، وخاصة في ولايات: أريزونا، ونيومكسيكو، وفلوريدا، وإيداهو.
كيف يحتفلون ويأكلون ويشربون ويشكرون، والناس حولهم يفعلون ذلك لأنهم غزوا أرضهم، واحتلوها، وسيطروا عليها؟
وكيف يفعلون ذلك والناس يشكرون الله، وهم (أو أغلبيتهم) يعبدون غير الله؟
* أصول عيد الشكر
* الاسم الأصلي لعيد الشكر الأميركي هو « ثانكسغيفينغ تو غود»، (شكر الله). ويشير إلى أول مائدة عملاقة تجمع حولها 102 شخص، هم أول مسيحيين هاجروا من أوروبا إلى أميركا، في مستعمرة بليموث (الآن في ولاية ماساتشوستس) في خريف سنة 1621.
منذ ذلك الوقت، صارت نهاية موسم الحصاد، وقبل حلول الشتاء، مناسبة وطنية وعائلية لشكر الله. في وقت لاحق، أصدر الكونغرس قانونا جعلها عطلة رسمية، وحدد لها رابع يوم خميس في شهر نوفمبر.
وقال جيرمي بانغز، مدير متحف «المهاجرين إلى أميركا» في بوسطن (ولاية ماساتشوستس) إنه في ذلك اليوم، لم يكن هناك طعام كاف للمهاجرين الجدد، وتطوع الهنود الحمر وقدموا لهم أطعمة، وساعدوهم في طبخ الطعام. وبعد نهاية الأكل، انحنى المهاجرون المسيحيون وصلوا، وفعل ذلك بعض الهنود الذين كانوا في المكان. لكن، لم تفعل ذلك أغلبيتهم التي رأت المسيحية دينا غريبا عليهم.
* الحجاج غزوا أميركا لنشر المسيحية
* لا يمكن التقليل من أهمية الدين المسيحي في عيد الشكر الأميركي. وفي الصراع بين الأميركيين والهنود الحمر. حتى اليوم.
في الحقيقة، كان الاسم الأصلي للمهاجرين هو «بيلغريمز»، (الحجاج)، وذلك لأنهم اعتبروا أنفسهم حجاجا عندما غادروا أوروبا إلى الدنيا الجديدة. ليس فقط لأنهم توكلوا على الله، ولكن، أيضا، لأنهم صلوا وعاهدوا الله بنشر كلمة المسيح في المكان الجديد. وطبعا، كان المقصودون هم الهنود الحمر.
في الجانب الآخر، كان الهنود الحمر، لآلاف السنين، يعبدون الأصنام والأشجار والأجداد وزعماء القبائل، وأشياء أخرى متنوعة. ورغم وجود معابد (بعضها حفر ينزل إليها الشخص ويصلى وسط تماثيل وهياكل بشرية)، لا يمكن اعتبار دينهم دينا مؤسسا ومنظما مثل الأديان المعاصرة. كما أن دينهم يخلط بين القبلية والثقافة، وفي كثير من الأحيان يعتبر الطبيب القبلي شخصا يستحق العبادة. وتعتبر الأدوية القبلية أدوات عبادة.
في وقت لاحق، تأسست «الكنيسة الهندية الحمراء» التي تأثرت بالكنائس المسيحية، وصارت لها طقوس، وقساوسة، وأناشيد، وتراتيل، وبخور.
قبل خمسين سنة تقريبا، مع مظاهرات الحقوق المدنية (التفرقة ضد الزنوج، والتفرقة ضد النساء، والتدخل العسكري الأميركي في فيتنام)، جاءت «صحوة الهنود الحمر». وقاد شبابهم حملات سياسية وثقافية للحصول على حقوقهم، ولتحديد هويتهم. لكن ظل دينهم غير محدد، ولم يجرؤ على مواجهة المسيحية العملاقة التي فرضت نفسها على الولايات المتحدة، دينا، وثقافة، وسياسة.
ويصور فيلم «بوكاهانتا»، (أيضا مسرحية، وفيلم كارتون، ومسلسل تلفزيوني)، رمزا لهذه المواجهة، أو، في الحقيقة، غياب المواجهة.
«بوكاهانتا» فتاة هندية جميلة، بنت واحد من أكبر زعماء قبائل الهنود الحمر. تزوجها، في سنة 1613، المهاجر البريطاني جون رولف، في مستعمرة «جيمس تاون»، (الآن في ولاية فيرجينيا). ويركز الفيلم على أن «بوكاهانتا» اعتنقت المسيحية، وغيرت اسمها إلى «ريبيكا»، (اسم من الكتاب المسيحي المقدس)، وسافرت مع زوجها إلى لندن، ثم عادت مبشرة مسيحية وسط أهلها.
لكن، في الفيلم مناظر عن افتخار «بوكاهانتا» بهويتها. وعن انتقاد «الغزاة البيض القادمين من أرض ما وراء البحار لنهب خيراتنا وثرواتنا».
* كولومبيا وتقدم أميركا
* قبل سنوات قليلة، نشر أندرز ستيفانسون، أستاذ التاريخ في جامعة كولومبيا (في نيويورك)، كتاب «مانفستو القدر». رغم أن الكتاب أكاديمي، لكنه يجذب الشخص من أول نظرة بسبب صورة مثيرة (وذات معان عميقة وكثيرة) على غلافه.
في الصورة بنت جميلة شقراء، تلبس فستانا أبيض خفيفا يكشف صدرها وإحدى ساقيها، وجزءا من فخذ، وجزءا من نهد. تطير البنت في الهواء، وكأنها من الملائكة، من شرق الولايات المتحدة إلى غربها، وفستانها وشعرها الطويل يرفرفان وراءها.
هذه لوحة رسمها، قبل مائة وخمسين سنة، الأميركي جون غاست. سمي البنت «كولومبيا»، (إشارة إلى اسم أميركا الأول، منسوبا إلى كريستوفر كولومبوس). وسمى اللوحة «تقدم أميركا»، (إشارة إلى أن البنت تحمل الحرية والحضارة وتطير نحو الغرب الذي كان يسكنه الهنود الحمر). تحمل «البنت الملاك» في يدها اليمنى الكتاب المسيحي المقدس، بينما يهرب أمامها الهنود الحمر وحيواناتهم، ويتقدم خلفها رجال بيض يحملون الكتاب المقدس وكتبا أخرى، ويغرسون أعمدة التلغراف، ويشيدون خطوطا حديدية لقطارات بخارية، ويحققون «تقدم أميركا». وهكذا منذ البداية، كان الدين عاملا رئيسيا في علاقات المهاجرين مع الهنود الحمر.
كتب، في سنة 1845، جون أوسليفان، رئيس تحرير جريدة «نيويورك نيوز»: «يجب أن تتقدم قواتنا وتحتل تكساس. لا لأن تكساس تريد منا أن نحتلها، ولكن لأن مانفستو قدر أميركا هو نشر الحرية في تكساس وغير تكساس. قدر أميركا هو نشر الحرية في كل القارة الأميركية». وأضاف: «أعطانا الله القارة الأميركية لنجري فيها أعظم تجربة في تاريخ الإنسان: لننشر الحرية».
* اتهامات بالعنصرية
* في الوقت الحاضر، ورغم أن الخمسين سنة الماضية شهدت تصحيحات وإصلاحات كثيرة في نظرة الأغلبية البيضاء نحو الأقليات (سودا، ولاتينيين، وآسيويين، وهنودا حمرا)، تظل هناك «تفرقة خفية». وبالنسبة للهنود الحمر، تزيد التفرقة لأنهم يعيشون في مستوطنات، ولأن أغلبيتهم غير مسيحية، ولأن لغتهم مختلفة، ولأنهم يحكمون أنفسهم منفصلين عن الولايات المتحدة.
وفي الشهر الماضي، اتهمهم البعض بأنهم «عنصريون»، وبأنهم لا يقلون عنصرية عن البيض الذين ظلوا يتهمونهم بالعنصرية لأكثر من أربعمائة سنة. أعلنت المحكمة العليا في مستوطنة قبيلة «شيروكي»، (ثاني أكبر قبيلة هندية حمراء في الولايات المتحدة) دستورية طرد ثلاثة آلاف هندي أسود ظلوا يعيشون، وأجدادهم، معهم منذ مئات السنين. وظلوا يعتبرون أنفسهم منهم، رغم اختلاف اللون. وقالت المحكمة إن رئيس حكومة القبيلة وكونغرس القبيلة كانا محقين عندما قررا ذلك «بالنسبة لكل من ليس فيه دم الشيروكي». ورغم أن القرار ليس طردا من المستوطنة، لكنه أوقف عنهم كل الخدمات الاجتماعية والتعليمية والصحية، مما يعنى أن «الهنود السود» سوف يضطرون لمغادرة المستوطنة.
في الحال، تحركت الحكومة الأميركية (هناك مصلحة اسمها «شؤون الهنود الحمر» تنسق العلاقات مع المستوطنات). وهددت بوقف المساعدات عن هذه القبيلة. واستغرب كثير من الأميركيين الذين ما كانوا يعرفون:
أولا: أن هناك «هنودا سودا».
ثانيا: أن الهنود الحمر كان عندهم رقيق من السود، وأن هؤلاء هم أحفادهم.
ثالثا: أن الهنود الحمر، بعد كل هذه السنوات يريدون التخلص من الأحفاد.
* البيض وعقدة الذنب
* في الجانب الآخر، لا يمكن التقليل من «عقدة الذنب» وسط الأغلبية البيضاء، حتى اليوم، بسبب ما فعل أجدادهم بالهنود الحمر.
في البداية، كانت هناك البعثات التبشيرية المسيحية. ثم التوسعات العسكرية. ثم مستوطنات المهاجرين البيض التي صارت قلاعا مسلحة وسط قبائل الهنود الحمر. ثم، بسبب عداء الهنود الحمر لهؤلاء الأجانب، نشبت حروب عسكرية انتهت بهزيمة واستسلام كثير من هذه القبائل. وساعد على هذه الانتصارات قدوم السكة الحديد التي ربطت سواحل نيويورك وفيرجينيا في الشرق بسواحل كاليفورنيا وأوريغون في الغرب.
في عام 2007 أجرت منظمة أميركية دراسة حول هذا الموضوع. وقالت الأغلبية الآتي: أولا: نادرا ما يواجهون الهنود الحمر في حياتهم اليومية. ثانيا: يأسفون أسفا شديدا بسبب ما حدث في الماضي. ثالثا: جاء وقت اندماج الهنود الحمر في الحياة العامة.
* الهنود والإرهاب
* لكن، من وقت لآخر، تنكشف العنصرية ضد الهنود الحمر.
في الشهر الماضي في برنامج تلفزيوني، سئلت كيم كارداشيان، نجمة تلفزيونية مشهورة، عن مصير خاتم الزواج (قيمته مليونا دولار) من زوجها، بعد أن طلقها بعد زواج شهرين. أجابت: «لن أعيد له الخاتم. ليست هذه هدية هنود حمر». في الحال، هبت منظمات الهنود الحمر، وقالت إن هذا مثل شعبي أميركي فيه عنصرية واضحة.
أصل المثل الشعبي يعود إلى ما قبل ثلاثمائة سنة، عندما لاحظ المهاجرون البيض أن الهنود الحمر لا يعرفون البيع والشراء، ويتبادلون البضائع والسلع. ويقدمون هدايا لبعضهم البعض خلال هذه العملية. حسب الثقافة الغربية، البيع والشراء موضوع اقتصادي (وعقلاني) بحت. والهدايا والمجاملات تؤثر على «نزاهة السوق».
لهذا، صارت هدايا الهنود ترمز إلى «رشوة». ولهذا، قالت النجمة التلفزيونية إن خاتم الزواج لم يكن رشوة، وكان رمز «اتفاق عقلاني» على الزواج. وإنها لن تعيده إلى زوجها السابق.
في الجانب الآخر، قال بيان أصدره المؤتمر الوطني للأميركيين الهنود: «مؤسف أن عادة جميلة هدفها توثيق العلاقات بين البائع والمشترى، وكل العلاقات الاجتماعية، صارت رمزا سلبيا عن الهنود الحمر».
وفي بداية السنة، نشبت مشكلة ثقافية أخرى عندما أعلنت القوات العسكرية الأميركية أن العملية العسكرية التي قتلت أسامة بن لادن، مؤسس وزعيم تنظيم القاعدة، كان اسمها «غيرونيمو». هذا اسم زعيم قبيلة «أباشي» الهندية قبل مائة سنة تقريبا، ويعتبر بطلا في نظر الهنود الحمر لأنه قاوم توسعات الأوروبيين والمسيحيين. ومرة أخرى، احتج بيان للمؤتمر الوطني للأميركيين الهنود، وقال: «يجب على القوات المسلحة أن تحترم الأميركيين الأصليين (الهنود الحمر)»، هذا كلام مبطن معناه أنهم غير راضين على إطلاق اسم «غيرونيمو» على عملية قتل. لكن، طبعا، لا يمكن أن يقول الهنود الحمر أي جملة يمكن أن تفسر بأنها تؤيد أسامة بن لادن. آخر شيء يريده الهنود الحمر هو اتهامهم بالإرهاب.
♥·٠•● Ƹ̵̡Ӝ̵̨̄Ʒ
اضف تعليق
Ƹ̵̡Ӝ̵̨̄Ʒ ●•♥·٠