ارتكب المجلس العسكرى عدداً من الخطايا السياسية، بعدما طارد الثوار محمد حسنى مبارك الذى ظل جاثماً على أنفاس مصر لمدة 30 عاماً، وظل يحلب ثرواتها، وينهب خيراتها، ويخزن ريعها فى حساباته وحسابات أبنائه داخل وخارج الوطن، ورغم اعتراض المجلس على مشروع التوريث، لكنه لم يستطع أن يفعل ما استطاع المصريون خلال 18 يوماً أن يفعلوه، بعدما أجبروا مبارك على التنحى، وإلقاء نطفة الثورة فى رحم الوطن، وبعد مرور 9 أشهر، تعرضت الثورة لهذه الخطايا السياسية المؤسفة، التى أدت، لانفجار ثورة نوفمبر الثانية، الشهر الذى وافق فى الحادى عشر منه اكتمال تسعة أشهر على تسلمهم مقاليد البلاد بعد تخلى مبارك عنها، نرصد هنا أبرز هذه الخطايا التى تسببت فى انفجار الثورة مرة أخرى فى ميادين مصر. 1.الشهر الأول مارس "شرف" يؤدى اليمين فى الميدان، والاستفتاء يقسم المصريين، ظن المصريون أن الثورة اكتملت، بمشهد عصام شرف وهو يؤدى اليمين فى ميدان التحرير فى الرابع من مارس، واعتقد الكثيرون أن نطفة جنين الثورة مستقرة، وآمنة، وانتشرت دعوات تطالب بفض اعتصامات ميدان التحرير، ومنح الحكومة الجديدة فرصة للعمل، وتوحدت مانشيتات الصحف الداعية للتوقف عن التظاهر، لكن لم تلبث معركة الاستفتاء على التعديلات الدستورية، أن أصابت وحدة المصريين خلال أيام الثورة، وأثناء التخلص من حكومة "شفيق"، وظهر طريقان فى الساحة المصرية، تفرق المصريون خلالهما، هما طريق نعم وطرق لا، وكان أبرز من رفضها وقال لا عمرو موسى والبرادعى الذى اعتبرها إهانة للثورة، فيما أيدها حزب الوسط، ومحمد سليم العوا والإخوان المسلمون والجماعات السلفية. 2.ثانى شهور جنين الثورة.. ضرب المتظاهرين فى جمعة التطهير ورسالة "الرصيد". بدأ شهر إبريل بمليونية "لإنقاذ الثورة" طالبت بالإطاحة بزكريا عزمى من رئاسة الجمهورية، ومحاسبة أبرز رؤوس النظام فتحى سرور وصفوت الشريف، فيما أصر المجلس العسكرى من جانبه على الإبقاء على مبارك فى شرم الشيخ، وانتشرت شائعات عن سفره إلى تبوك، بالسعودية، وسط نفى من أعضاء المجلس، كما اندلعت خلال الشهر محاكمات شعبية علقت المشانق لمبارك فى ميدان التحرير، وارتفع نشاط السلفيين أيضا بهدم 4 أضرحة دفعة واحدة فى قليوب، وتداولت الصحف تهديداتهم بهدم ضريحى الحسين والسيدة نفيسة. وانزعج جنين الثورة فى شهره الثانى بالاعتداء على المتظاهرين السلميين فى ميدان التحرير فى جمعة التطهير، وأعلن المجلس العسكرى للمرة الأولى والأخيرة اعتذاره عن ذلك برسالة قال فيها: "رصيدنا لديكم يكفى"، أما مبارك، فأصدر بياناً صوتياً بثته قناة العربية السعودية، هدد فيه من يشوهون صورته، بملاحقتهم قضائياً، لكن أسوأ مشاهد الشهر على الإطلاق، كانت انفجار أزمات المحافظين، حيث استطاعت عائلات قنا، قهر عصام شرف رئيس الوزراء الجديد، الذى سقط فى أول اختبار بعد شهر واحد من تعيينه، بعدما لجأ لاختيار محافظ قبطى لقنا، فقطع الأهالى مزلقان "عبد الرحيم القنائى" واحتبسه الأهالى داخل مسجد خلال زيارته لهم. 3.الشهر الثالث للجنين.. فتنة إمبابة التطرف يقتل الثورة. كان أمرًا طبيعياً أن تنفجر أحداث العنف الدامية بين المسلمين والأقباط، بعد إخفاق الحكومة فى اختبار الحسم، ولجوئها للجلسات العرفية، واستعانتها بالسلفيين لحل الفتن الطائفية، حيث شهد شهر مايو فى بدايته تظاهرهم، أمام الكاتدرائية، للمطالبة بالإفراج عن "أختهم كاميليا شحاتة" فيما برر عصام شرف عدم لجوئه للقوة والحسم، لأن الشعب جريح، ولم تكد تمر أيام قليلة من شهر مايو، حتى انفجرت أحداث فتنة إمبابة بسبب شائعة عن احتجاز كنيسة "مارمينا" لعبير"، وانتهى شهر مايو بجمعة الغضب الثانية، أو مليونية تصحيح المسار، التى تحدد لها السابع والعشرون، وقاطعها الإخوان والسلفيون، وشككوا فى وطنية الداعين لها. 4- الشهر الرابع يونيو.. شرف يعجز عن التخلص من الوزراء الفلول. تميز شهر يونيو بأزمات الوزراء مع المصريين، وخاصة الفلول منهم، حيث عجزت الحكومة عن إيجاد حلول للملفات الأمنية والاقتصادية وتراخت عن العمل، وارتعشت أصابعها عن توقيع أى اتفاقيات، خوفاً من المساءلة، وبدأ الشهر بأزمة بين وزير العدل المستشار محمد عبد العزيز الجندى والقضاة، بعدما أحال ثلاث مستشارين للتحقيق، فيما طالبت 4 منظمات حقوقية عصام شرف بإقالة 12 وزيراً من وزارته، كلهم من الفلول، أخفق معظمهم فى حل أزمات وزارتهم، أو تعمدوا تعقيدها، ومنهم محسن النعمانى وزير التنمية المحلية، ورغم استمرار الضغط الشعبى، رفض المشير استقالة يحيى الجمل التى قبلها عصام شرف، أما وزير المالية، سمير رضوان، فكان أبرز الساقطين فى وزارة شرف، بعدما أحرجه والحكومة، باقتراح اقتراض 3 مليار دولار لسد العجز بالموازنة، وفى نهاية الشهر، رفض المجلس العسكرى، تعديل وزارى طالب فيه عصام شرف بخروج سبعة من وزراء الحقائب الخدمية، ومحسوبين على النظام القديم، وهو ما أدى إلى اندلاع 4 مليونيات فى شهر يوليو. 5- يوليو ..4 مليونيات تتحدى الحر ومهرجان البراءة للجميع وعين "الفنجرى" الحمرا وتخوين 6 إبريل وموقعة العباسية. نحن الآن فى يوليو، الجميع يسأل لماذا لا يتحرك المجلس العسكرى إلا بعد المليونيات؟، بدأ الشهر بمليونية "جمعة القصاص لشهداء الثورة" وتلتها جمعة الثورة أولا، ثم جمعة الإنذار الأخير يوم 26 يوليو، وأخيراً جمعة "لم الشمل" وتحدى المواطنون فى هذه المليونيات الحر والتباطؤ والتواطؤ، وعودة ضرب المتظاهرين فى أحداث البالون المؤسفة فى 28 يونيو، واستفز المصريون أحكام البراءة التى صدرت بحق عدد من رموز النظام فى الخامس من يوليو، مما جعلهم يرفعون لافتات "مهرجان البراءة للجميع" فى مليونية "الثورة أولا" التى دعت لاعتصام فى الثامن من يوليو، خاصة أن هذه البراءات تزامنت مع إخلاء سبيل عدد من ضباط قتلة الثوار، ورفض شرف المشاركة فى المليونية، وفقد اللواء الفنجرى شعبيته الجارفة التى اكتسبها بعد تأديته التحية العسكرية لشهداء الثورة، إثر إلقائه بياناً ساخناً، وعد فيه بإجراء الانتخابات قبل 30 سبتمبر، وتوعد من يرغبون الوثوب على السلطة، ولم يفهم الثوار من بيان الفنجرى، سوى تهديده ووعيده، واشتعلت مليونية جمعة الإنذار الأخير، التى طالب فيها الثوار إنقاذ جنين الثورة، والقصاص للشهداء، وحكومة ثورية، وأخيرا استجاب المجلس العسكرى على مضض، للتعديل الوزارى، لكن الشهر لم يمر بسلام، إذ سرعان ما وقعت اشتباكات دامية بين الثوار الذين نظموا مسيرة إلى المجلس العسكرى فى العباسية، والبلطجية، على مرأى ومسمع من الشرطة العسكرية، وشهد الشهر أيضا تخوين الثوار بعدما اتهم اللواء الروينى حركة 6 إبريل بالوقيعة بين الجيش والشعب، وتلقى تمويل أجنبى. 6- أغسطس.. المخلوع فى القفص ومصر الثورة تعجز عن الانتقام لشهداء الحدود. حل أول شهر رمضان على مصر بدون مبارك، الذى ظهر فى الثالث من أغسطس، فى القفص لتتجه أنظار العالم إلى الثورة التى يدخل جنينها الشهر السادس فى رحم الأمة المصرية، لكن المسئولين عن الحكم، رفضوا أن تظل الصورة حسنة، وقرروا الانتقام خفية لمبارك، بعد قتل إسرائيل لجنود مصريين على الحدود، أثناء عملية انتقامية لها بعد ضرب أحد أتوبيساتها السياحية، وأصدر مجلس الوزراء بياناً بسحب السفير المصرى من تل أبيب، ثم تراجع عنه، ووصفه بالمسودة، وتظاهر المصريون أمام السفارة، بمنطقة كوبرى الجامعة، مطالبين بطرد السفير الإسرائيلى من مصر، وقضوا ليالى رمضان معتصمين أمامها، فيما كان نائب السفير المصرى فى تل أبيب يتناول إفطار رمضان مع شيمون بيريز، بعد ساعات من مقتل الجنود المصريين. 7ـ سبتمبر.. "العسكرى" يحمى السفارة الإسرائيلية بجدار عازل ويعلن حالة الطوارئ. يعتبر شهر سبتمبر الماضى، من الشهور الممهدة لثورة نوفمبر الثانية، حيث بدأ بطرد تركيا للسفير الإسرائيلى بعد قرار الأمم المتحدة حول مجزرة أسطول الحرية، وفيما طالبت القوى السياسية المجلس العسكرى بقرار مماثل، سارع أعضاؤه بإصدار قرار لتشييد جدار عازل على كوبرى الجامعة، لحماية السفارة الإسرائيلية، من الثوار المطالبين بغلقها، وهو ما اعتبره المصريون رداً مهيناً متخاذلا، على قتل جنودنا، واشتعلت الدعوات لمليونية 9 سبتمبر، التى قاطعها الإسلاميون، فيما أكدت عليها القوى الثورية، والحركات النشطة مثل 6 إبريل، الداعية لإلغاء المحاكمات العسكرية، ورغم تحضر المشهد فى ميدان التحرير، لكن الأوضاع انفجرت عند الجدار الذى حطمه المتظاهرون بالشواكيش، ثم لم يلبث أن اقتحموا السفارة، ولم يتحرك الأمن لمنعهم، كما لو كان هناك مخطط لاستدراج الثوار إلى كمين، لخنق جنين الثورة فى شهره السابع، بحبل إعلان الطوارئ الغليظ، الذى أصدره المجلس العسكرى. 8- أكتوبر.. دهس المتظاهرين أمام ماسبيرو وشق صف جناحى العدالة. يظل شهر أكتوبر الماضى، أسوأ شهور الثورة باقتدار، بعد اشتعال فتنة الماريناب، التى أسفرت عن موقعة دهس المتظاهرين الأقباط أمام ماسبيرو فى التاسع من أكتوبر الدامى، واشتراك مؤسسة الإعلام الرسمى "التلفزيون" فى التحريض على مواطنين مصريين، ودعوة آخرين لحماية الجيش منهم، وبدأت الأحداث بهدم قباب كنيسة الماريناب فى إدفو، بواسطة الأهالى السلفيين، رغم أن الأقباط خرجوا يوم الأحد 9 أكتوبر فى مسيرة سلمية، لكنها انتهت بكارثة، بعدما أطلق مجهولون عليهم وعلى الجيش النار، أمام ماسبيرو، فتورط جنود الشرطة العسكرية فى دهس المتظاهرين، فى محاولة منهم لفض التظاهر، ومات فى الأحداث "مينا دانيال" الذى نجا من رصاص مبارك خلال أيام الثورة، ليقضى نحبه فى أيام الحرية. 9- الشهر التاسع للجنين.. انفجار ثورة نوفمبر الثانية. انفجرت ثورة نوفمبر الثانية فى التاسع عشر منه، بعدما شهد فى أوله معركة وثيقة السلمى، التى نسبها البعض للمجلس العسكرى رغم إعلانه تبرؤه منها، خاصة بعدما احتوت بندين، يعطيان صلاحيات واسعة له، وجعلته دولة داخل الدولة، وانتزعت من أى رئيس جمهورية منتخب، صلاحيات مناقشة ميزانية القوات المسلحة، أو الموافقة على تشريع يتعلق بها.